احمد فؤاد جويلى زار القرى الجديدة والتقى مع أهلها
جريدة العربي الناصري
توماس وعافية.. رحلة إلى بلاد النوبة
الموضوع يمكن يكون طويل شوية بس والله يمكن نستفيد منه حجات كتير
على فكر الشخصيات اللي في الموضوع موجودين حتى يومنا هذا و أكيد ممكن نعرف منهم ناس كتير
منتظر الردود
يا طير يا طاير.. إلى بلاد توماس
فررانه شيء عجيب.. وجناحه فيه جراس
إن بدى اسايره.. واعرف مكان جلاس
سقطت منه ريشه.. سكرت جميع الناس
كلمات شاعر من قبيلة البجا يمتدح توماس النوبية، استمعت اليه فى الشلاتين
فى الطريق إلى قرى توماس وعافية النوبية بمدينة اسنا والتى تقع جنوب الأقصر ب60 كيلو ، شغلت رأسى عشرات الأسئلة عن الجهل الاجتماعى والعقائدى الذى يسود مجتمعاتنا، وكيف أن هذا الجهل إضافة إلى تراكم المشاكل الاجتماعية، قد يتحول إلى مكمن خطر تنطلق منه الاتهامات المتبادلة، وتصاغ فيه عبارات مثل التطهير العرقي، التى يندر أن تسمع بها فى بلادنا فضلا عن أن تجدها.
كل هذه الأسئلة كانت تقفز من رأسى كما يقفز البيض من السلة مرتطمة بأرض شوارع اسنا، التى لا يخلو فيها مطب واحد من سبعة مطبات، واعتبرت أن هذا هو أول اضطهاد موجه ضدي، وأول تطهير عرقى موجه لسكان إسنا جميعا، حتى يتم تهجيرهم منها، وكلما حاولت القبض على الأسئلة طاشت فى أكوام القمامة، التى تتسع كميادين قبيحة أمام المنازل والمحلات التجارية.
هنا كان على سائق الميكروباص أن يتحول مرة إلى بهلوان، ومرة إلى حاو على خط السير الذى لا نظير له فى كل المدن التى يفترض أنها سياحية، ويقطنها عشرات الآلاف من المصريين ويزورها الآلاف من السائحين، وبها معبد فرعونى مهم هو معبد خنوم، وبها رصيف نهرى - هو أيضا سييء - رغم أنه يرسو عليه أكثر من مائتى فندق عائم.
ما أن نزلت من السيارة على مدخل قرية توماس الوسطى حتى تكشف لى جمال ونظافة شوارعها، واستقبلنى على أول الطريق رباح صلاح الدين الذى توقع زيارتي، وما أن سرنا خطوات حتى تقدم إلينا رجلان كبيران فى السن و المقام، وبادرنى احدهما بالتحية قائلا: أنا من الناصريين القدامي، ثم حدثنى عن أصدقائه فى الاتحاد الاشتراكى القديم وفى الحزب الناصرى الحالى لم تمض دقيقة واحدة حتى خرج على أصواتنا الحاج صلاح الدين عثمان من منزله ودعانى للدخول، وما أن جلست حتى دخل أهل توماس وعافية من الباب فرادى وجماعات، يرحبون بضيفهم ولسان حالهم: هو لسه فيه حد فاكرنا؟. وأدركت هنا - أنا الذى لا املك لهم نصف قرار- كم هم يشتاقون لمن يستمع لشكواهم.. لمن يستمع فقط.
برقيات الى محافظ اسوان:
لم يجلس رباح معنا كثيرا بالطبع فقد كان عليه القيام بواجب الضيافة، وحول الحاج صلاح الدين عثمان جلسنا وقبل أن يضع يدى على بداية القصة سألنى رباح عن مقال الأستاذ بهاء طاهر وأبدى ارتياحا لبعض ما جاء فيه، ثم ناقشنى محمد يحيى حسن وهو صاحب الدعوة، فيما كتبته ضد الأستاذ حجاج أدول، وهنا أجد أنه من اللائق الاعتذار لحجاج وللقارئ عما جاء فى مقالى بحق رواية الكشر، وأجد انه ليس من اللائق أن أتحدث عن نص أدبى فى سياق حديث لا علاقة له بالأدب والنقد، ولكنها لحظة غضب تداخل فيها الحق والباطل، حين صدمت بلغة البيان التى لم نتوقعها، وبالمكان الذى طرحت فيه مشكلة مصرية خالصة.
كان من الواجب على وأنا بين أبناء عمومته وأبناء إخوته أن أتكلم عن حجاج أدول الذى أعرفه تماما، وأوضحت أننى وكل الذين كتبوا عن الموضوع، لم يتهموا حجاج بالخيانة بل أنى شخصيا ضد ما سمعته عن محاولة فصله من اتحاد الكتاب، أو تجميد عضويته فيه، لأن هذا هو القرار الخطأ، وجميعنا كنا ننتقد البيان الخطأ فى المكان والوقت الخطأ، والآن أيضا نقول: إن اتحاد الكتاب لم يعط لأحد موهبة لينتزعها منه بالتجميد أو الفصل، وأرجو أن يكون ما سمعته خطأ أيضا، لأنه سيعد سابقة تتخذ ضد حرية الرأي.
أراد الحاج صلاح الدين عثمان أن نشرب الشاى على نبرات صوته الهادئة، فقاطع كلامنا قائلا: عارف يعنى إيه توماس وعافية؟.. توماس يعنى الابن الطيب - أما عافية - ضحك - وقال : ربنا يدينا ويديك العافية . كان طول توماس وعافية القديمة 25 كيلو غرب النيل، ويقول الحاج صلاح: كنا نزرع فيها شتاء القمح والشعير والفول، ومحاصيل الصيف فى الصيف، وعندما راح يتخيل نخيلها العالي، وبلحها الذى ينسب خطأ فى بعض المصادر إلى أبريم، تسلل صوت الحاج سليمان محمد عبد المنعم هادئا:كنا نقوم فى فترة الصيف بتخزين الحبوب التى زرعناها فى الشتاء، وكانت تفى بحاجتنا، ثم أردف قائلا: هل تعرف أننا رغم الفقر الذى كنا نعيش فيه، لم يك يوجد بيننا من لا يعرف القراءة والكتابة، إذ لا توجد أمية بين كل أهالى توماس وعافية، وأى سيدة مسنة يمكنها أن تكتب خطابا دون أن يطلع الناس على ما فيه، وهذا الحال لم يزل ساريا إلى الآن.
يقطع دهشتى المهندس عادل احمد حسن قائلا:هناك بالطبع من لم يكمل تعليمه، ولكن الجميع يعرفون القراءة والكتابة، وهذه ميزة تحسب لنا بين كل القرى والمدن المصرية.
قلت: حدثنى عن حالة التعليم فى توماس وعافية القديمة.
فقال: كان عندنا ثلاث مدارس ابتدائى فى توماس وعافية، ومن كان يريد ان يكمل تعليمه ففى بلدة الدر مدرسة إعدادية، وفى بلدة عنيبه مدرسة ثانوي، وفى قورته مدرسة للمعلمين، ويكمل الحاج سليمان محمد عبد المنعم - مدير تعليم سابق- قائلا: الكتاتيب كانت منتشرة فى كل المساجد، تعلم القرآن الكريم والقراءة والكتابة.
البلدة والبلدة الأخري:
حاولت أن اعقد مقارنة بين حال التعليم فى توماس القديمة وتوماس الحالية، فتدخل محمد يحيى حسن قائلا: نفس الحال كان فى مصر كلها قبل الثورة، والتغيير ساد مصر كلها بعد ذلك، ثم تساءل قائلا: ليس لديكم غير هذه الحجة القديمة، فضحك الحاضرون جميعا، وتداخلت مع أصوات ضحكاتنا أصوات الصبية وهم يلعبون الكرة فى مركز الشباب الحديث المجاور.
اقترب عمدة القرية احمد محمد عثمان قارئا ما يدور فى خلدى فقال: الحكومة قدمت لنا خدمات كثيرة وعملت مرافق كثيرة، مثل مركز شباب بملاعب جاهزة وجمعية تنمية مجتمع، وجمعية نسوية ملحق بها حضانة، وذلك فى كل قرية من قرى توماس وعافية، بالإضافة إلى إنشاء مدرسة إعدادية ووحدة صحية، وان كان هناك بعض القصور فى الخدمات، فهو موجود فى كل مكان وليس عندنا فقط.
ويعقب محمد يحيى قائلا: لماذا لا يتواجد طبيب دائم فى الوحدة الصحية لتكتمل الخدمات؟.
كنا قد أخذنا الحديث بينما كان الحاج صلاح الدين يبدو مستغرقا أمام النيل فى توماس القديمة، فبادرنا قائلا: كانت الأمراض قليلة جدا عندنا، ولم نعرف شيئا عن الوحدة الصحية، وكانت هناك باخرة فى النيل بها وحدة صحية، تبحر متنقلة بين القرى المتناثرة على النيل.
ويضيف العمدة احمد محمد عثمان: نحن لا ننكر الخدمات التى قدمتها الحكومة لنا، ولكن مشكلتنا الأساسية هى فى العلاقة بين المالك والمستأجر، وبصراحة شديدة ما الذى يدعونا للتفكير فى النوبة القديمة، إذا أخذنا هنا الأرض التى خصصتها الدولة لنا، وزرعنا وزرع أولادنا فيها، ولا يمكن حل هذه المشكلة إلا بتشكيل لجنة من كل المختصين بهذه القضية، وإنهاء هذه المشكلة، فنحن عنصر يدفع المجتمع للأمام، ولا يدفع المجتمع للخلف.
قلت: هل مثل هذه المشكلات تمثل فى رأيك اضطهادا عنصريا يمارس ضدكم؟.
فقال: لا يوجد اى اضطهاد من اى نوع، ولكنه الإهمال الجسيم لمشاكلنا التى فى أدراج مكاتب المسئولين، منذ سنوات ولا أحد يتدخل للحل.
ويعود بنا الحاج صلاح الدين عثمان إلى بداية المشكلة قائلا: فى البداية قامت الشئون الاجتماعية بعمل حصرين لأهل النوبة، الأول عام 61، والحصر الثانى فى عام 63على الأساس المعروف بكلمة البيت مقابل البيت، والأرض مقابل الأرض، ووضعت الشئون الاجتماعية قواعد انتقلت عليها كل الأسر، فالذى كان يعيش وحيدا فى بيت يملكه، أعطته الدولة منزلا فى التهجير من حجرة واحدة بمرافقها، وأعطت للاثنين بيتا من حجرتين، ومن ثلاثة أشخاص إلى خمسة منزلا مكونا من ثلاث غرف، ومن خمسة أفراد إلى سبعة يأخذون بيتا مكونا من أربع غرف، أما إذا كان عدد أفراد الأسرة أكثر من أحد عشر شخصا فيأخذون بيتين، احدهما أثناء التهجير، والآخر يؤجل للمرحلة المقبلة، فيما بقيت مشكلة المغتربين، وقد انتهت الدولة من بناء ثلثى البيوت فى هذه الفترة الزمنية الطويلة وباقى الثلث، والمشكلة أننا انتقلنا إلى القرية الجديدة وحدود القرية معروفة من الجهات الأربع، وحولها الزراعات، وهذه الزراعات مخصصة لنا، وهى الآن فى حوزة غيرنا ممن أقاموا عليها الزرائب فى مساحة 14 فدانا، وهى نفسها الأرض التى كانت مخصصة لبناء ثلث البيوت المتبقية لنا.
اكتمال وصول المهاجرين:
منذ عام 63 إلى عام 70 حسبما يشير يحيى محمد حسن، لم يكن قد اكتمل وصول المهاجرين إلى هنا، وعندما جاءوا وجدوا أن الأرض التى كانت مخصصة لهم قد ضاعت، ويشير يحيى إلى أن هؤلاء كان معهم ما يثبت ملكيتهم للأرض من الجهات المختصة، مثل الأملاك والمساحة وهيئة الإصلاح الزراعي، وهى تحدد كردون الأرض المخصصة لهم وقت التهجير، ويستكمل صبرى يحيى ليوضح الصورة أكثر فيقول: حين أعطت الدولة لنا التعويضات عن المنازل والأراضى التى تركناها فى توماس القديمة، خصمت جزءًا من هذه التعويضات فى مقابل إصلاح الأراضى التى اشترتها لنا فى إسنا، وكانت قيمة الخصم ثلث قيمة التعويضات اى مبلغ 35 ألف جنيه بأسعار الستينيات.
ويدخل العمدة احمد عثمان فى قلب المشكلة قائلا: الشباب يريد الاستمرار هنا، ولكن لا يوجد مصدر للرزق سوى الأرض، والأرض حرمنا منها، ولك أن تتخيل أن نسبة البطالة هنا حوالى 80 %، وكل ما نرجوه هو تدخل الأجهزة الحكومية لعمل عقود إيجار بيننا وبين جيراننا المستأجرين، نحن لا نريد إخراجهم من الأرض، ولكن يعطوننا حقنا ويأخذون حقهم، ويستطرد العمدة شارحا وجهة نظره فيقول: نريد توفيق الأوضاع أسوة بكل مواطنى مصر، ونحن نقول: إن الحكومة سلمت لنا أرضا عوضا عن أرضنا التى غمرتها المياه فأين هذه الأرض؟ نحن نريد حل المشكلة بالتوافق الودي، لان أجر الفدان عندنا لا يزيد على 150 جنيهاً بينما يصل إلى ألف جنيه فى المناطق التى حولنا.
ويتدخل صبرى يحيى حسن بمزيد من الشرح: نحن لا نطلب إلا استكمال إجراءات تسجيل عقود بيع الأراضى الزراعية، وفض النزاع القائم بيننا و بين جيراننا، وتحديد كردونات القرى بتوماس وعافية، وحمايتها من الاعتداء، وقد حصلنا على قرار إزالة من وزير الزراعة السابق الدكتور يوسف والى ولم يتم تنفيذه حتى الآن.
ويهدئ الحاج صلاح عثمان من حدة الحديث قائلا: الموضوع الآن تمت إحالته للمحكمة الاستشارية العليا، نحن نطلب حلا عاجلا للمشكلة حفاظا على أقواتنا من جانب، ومن جانب آخر حفاظا على حق الجوار، ويضيف طاهر جمال عيسى قائلا: هناك مشاكل أخرى تتعلق بنفس الموضوع، وهذا الالتباس وضعنا فى مشاكل، فمن بيننا من ليست لديهم عقود تمليك للأرض، وعقود التمليك الآن مقفولة، ولا نستطيع تملك الأرض، وعندما يذهب احدنا ليأخد قرضا من بنك القرية، لا يصرف له القرض إلا بضمان مالك حيازة زراعية من اهالى إسنا، اى أن بنك القرية لا يعترف بملكيتنا للأرض التى أعطتها لنا الدولة، وصارت قضيتنا فى ايدى الموظفين.
ويقول محمد يحيى حسن: لقد وافق محافظ قنا السابق على فتح باب تمليك الأرض، وتوقيع العقود ثم تم تناسى الأمر بعد ذلك، ونحن نطلب من السيد محافظ قنا الحالي، فتح باب التملك مرة أخري، وسندفع ما طلبته الدولة من أموال، ولكن نتمنى أن يجعل مشكلتنا على رأس قائمة الاولويات فى المشاكل التى سيتصدر سيادته لحلها فى المحافظة الكبيرة.
توشكى وإعادة التوطين
من مشكلة تملك الاراضى إلى مشكلة تملك المنازل التى أقيمت عليها القرية يقول صبرى يحيى حسن: أثناء عملية التهجير قيل لنا إن ميزانية الدولة لا تكفى لبناء بيوت جميع المهجرين، وتم تقسيم عملية التهجير إلى مرحلتين: الأولى للمقيمين والثانية للمغتربين وتأخر تسليم المبانى بشكل مؤسف، فمنذ عام 1964 حتى الآن لم يتم بناء سوى 150 منزلا فقط فى القرى الثلاث، أضف إلى ذلك انه لا يوجد لدى اى صاحب منزل مستند ملكية، مما يخلق مشاكل بين الورثة ولهذا نطالب ببدء تمليك المنازل لأصحابها.
وينظر فتحى عوض خيرى مدير مركز الشباب إلى مشروع توشكي، باعتباره من المشروعات القومية الكبري، التى صرفت الملايين من أموال دافعى الضرائب من الشعب المصرى وعلى هذا الأساس يرى أن المشروع يخص كل المصريين ويتساءل: لماذا صار قاصرا على كبار المستثمرين من مصر ومن خارج مصر، ويطالب فتحى بضرورة انتفاع الشريحة الكبرى من شباب الخريجين من مشروع توشكى وخاصة أبناء النوبة.
ويعقب صبرى حسن قائلا: نحن خرجنا من قرانا لان الدولة كانت تقوم ببناء مشروع قومى هو السد العالي، ومن الطبيعى عندما تستصلح الأرض تضعنا أولا فى الاعتبار، ثم تقوم بتسكين من تشاء من أبناء مصر فى القرى والمدن الجديدة، التى تبنيها هناك.
وهنا يقترب طاهر جمال عيسى واقفا ويقول: نحن لا نطلب هجرة جماعية فذلك ضرب من المستحيل، فهناك الكثيرون الذين لا يرغبون فى العودة، ولكن نحن نطالب مثلنا مثل اى مواطن مصرى بحل مشكلة شبابنا، وبنفس الشروط التى تنطبق على غيرنا.
ويقاطعنا محمد يحيى حسن قائلا: فى عام 1988 ظهرت أراض واسعة قابلة للزراعة، وجاءت لنا منحة من منظمة الفاو، وسافرنا وكتبنا أسماءنا ضمن مجموعة مبارك لزراعة الشواطئ فى توماس وعافية، وزرعنا وبنينا هناك ثمانية بيوت لنا، وعشرة بيوت للإخوة من بلآنة، واستقر بنا المقام عامين، ولكننا خسرنا كل ما نملك هناك بسبب مجاملة رئيس هيئة البحيرة السابق لغيرنا، فنحن كنا نطلب الكراكة من الجهات المسئولة لعمل السدود، فتعمل الكراكة عندنا يوما واحدا، وباقى الأسبوع عند الآخر، هو يكسب الآلاف ونحن نخسر كل شيء، وبعد أن ترك هذا الرجل منصبه بسبع سنوات، أرسل لنا رئيس الهيئة الذى تولى بعده لنعود إلى أراضينا مرة أخري، ولكننا خشينا تكرار التجربة السابقة، فرفضنا لأننا نريد أن تكون العودة منظمة وواضحة، لان بيوتنا خربت فى المرة الأولي.
ويضيف مختار عبد الغفور - من توماس الوسطى - وكان من ضمن الجماعة التى سافرت، لتعمير توماس وعافية القديمة أيضا: الإمكانيات تعطى لغيرنا، كل الخدمات والعمالة والميكنة الزراعية لأصحاب الواسطة والمحسوبية، فتركنا بيوتنا هناك وهى مسجلة بأسمائنا، وقد كنا نرى السيارات تأتى على حساب الجهاز، وتأخذ زراعتهم لتباع فى سوق العبور، لتيسير الأمر عليهم، أما نحن فلم يلتفت لنا احد رغم أن منحة منظمة الفاو كانت مخصصة لنا.
توماس 1 :
عندما تحركت السيارة بنا الى توماس 1 قال لى السائق عثمان مازحا: لو رجعنا إلى النوبة القديمة إنت ترجع معانا، لقد أصبحت واحد مننا، فضحكت ولم تنقطع ضحكتى حين اهتزت العربة فى مطب كبير، فتراقص جسد عثمان السمين وضحك هو حتى افلتت عجلة القيادة من يده.
توقفنا دقائق عند المبنى الكبير لمكتبة الطفل، والذى تكلف إنشاؤه أكثر من 650 ألف جنيه، والمبنى على أحسن طراز يليق بقرية متحضرة، ولكن المكان تنقصه الكثير من الخدمات والأنشطة الثقافية، توقفنا قليلاً عند بيت الفنان الراحل احمد منيب، الذى أطالب الوزير فاروق حسنى وزير الثقافة بضرورة ترميمه، وتحويله متحفا لمقتنيات الفنان الراحل، أو مزارا ثقافيا وسياحيا يليق بقريته، ويمدها بروح واتصال فنى بمثقفى العاصمة، على أن تظل ملكية البيت للورثة بعد أن عرفنا مشاكل تمليك البيوت، كما اقترح على رئيس هيئة قصور الثقافة، ضرورة إقامة ندوات شعرية لشعراء قنا وأسوان فى هذا الصرح الثقافى الكبير، بتوماس وعافية وإحياء هذا المكان، خاصة اننى وجدت بالقرى أكثر من شاعر، وما زاد من الألفة هو هذا الاستقبال الطيب الذى لاقيته من أبناء عمومة الأديب حجاج ادول، الذين تفهموا - عكس جرايبنا فى بعض أنحاء الصعيد - أن اختلافنا معه فى وجهة النظر، ينبع من انه من قبيلتنا أيضا قبيلة المثقفين وأننا نرى أن حجاج هو الذى يخصنا فى هذا التوقيت، دون باقى أعضاء المؤتمر، لأنه من الذين طالت قامتهم فى قبيلة الأدب المصري، وكنا لا نحب له أن يدخل إلى نفق صغار القيمة، فيدمى رأسه ورؤوسنا.
فى توماس الوسطى استمعت إلى الكثير جدا، وانشر منه القليل، واجد أن هذا القليل يجب أن يكون كافيا جدا لتحرك الأجهزة المعنية، فالمشاكل التى أراها امامى ليست كبيرة جدا، ولكن تركها يحولها إلى كوارث مستقبلية، وقبل أن نواصل الرحلة إلى مكان آخر، انقل دعوات الإخوة النوبيين للمثقفين والكتاب المصريين لزيارتهم فى قراهم، ليس فقط للاستماع إلى شكاواهم، ولكن أيضا للاستمتاع بهذا الفيض من الأخلاق والكرم الأصيل.
كنت أرغب من زيارتى أن أنقل هموم هؤلاء البسطاء الطيبين فى برقية بلسان حالهم، إلى السيد محافظ أسوان، الذى شهدت على يديه المدينة نقلة هائلة عرفها له الجميع، وأقول له: لم أجد كلمة أفضل من قولهم نحب أن نرى تكريم الآباء الذين هاجروا من ديارهم حبا لهذا الوطن، فى إسعاد الأبناء والوقوف إلى جوارهم، وإعادة توطين من يشاء منهم، ليبنى ويزرع وينتج ويترحم على الآباء والأسلاف، ويزيد ارتباطه بوطنه الأم.
لذا فإننى أدعو السيد محافظ قنا الحالي، إلى البدء بإسنا وتوماس وعافية أولا، بعد أن قدم المحافظ السابق السيد عادل لبيب كل الجهود البناءه لإعادة تخطيط وتجميل قنا ونجع حمادي، ثم تركنا إلى موقع آخر دون استكمال خطته، لإعادة تعمير وتخطيط كل مدن المحافظة، كما أدعوه وأنا أنشد له التوفيق، لضرورة فتح ملفات عقود تمليك الأراضى فى توماس وعافية، لأن هذا ينهى نصف المشكلة تقريبا.
وأنا أركب السيارة فى الطريق إلى المحطة، يودعنى بحرارة شديدة - تكسر برد الشتاء القارص - رباح صلاح الدين وأحمد عواض ورمضان منيب، ويميل على أذنى محمد يحيى حسن باسما وهامسا بكلمات قليلة
وردى عليه هو: يا محمد، انفض يدك من بيعة حجاج حسن أدول وبايعنى أنا.. بعد أن تقرأ هذا الموضوع.
مـ ـنـ ـقـ ــو ل