كثيراً ما يلجأ الشعراءُ أو الكتَّابُ أو العشَّاقُ إلى وصفِ محبوباتِهِم بالقمرِ ..
ولكنَّ الشمسَ أبلغُ في التعبيرِ عن القمرِ لأسبابٍ كثيرةٍ:
أولاً : القمرُ كاذبٌ ومخادعٌ .. نَعَمْ، فهو أجوف ، يعكس جَهْدَ غيرِه .. بخلافِ الشمسِ التي تُحرِقُ نفسَها من أجل الآخرين ، وتغمرك بحنانها، وتضيءُ عالمَك بوَهَجِها ..
فكـأنَّك حين تشبِّه محبوبَتك بالقمرِ،تصرِّحُ أنَّ محبوبَتِك فعلاً جميلةٌ ، ولكنَّك تنسى ، أو ربَّما تتناسى أنَّها جوفاءُ .. مخادعةٌ ..
ثانياً :الشمسُ ترمز للعفَّةِ وحفظِ العهدِ !كيف لا ؟! وحتَّى الآن لم يصل إليها إنسانٌ! ولم تتدنَّس بأقدامِ إنسٍ أو جانٍ ... بخلاف القمر الذي هبطوا على سطحه مرَّاتٍ ومرَّات...كما إنَّ بوسعنا التحديق في وجهِ القمرِ .. في الوقت الذي لا نكاد نختلسُ نظرةً عابرةً إلى قرصِ الشمسِ؛ ومن أرغَمَ نفسَه على النظرِ كارهاً ، أُصيبت عيناه بالضررِ .. إذن فوصفُها بالشمسِ ... شهادةٌ منك على عفَّتِها ورفعَتِها وسموِّ أخلاقِها...
ثالثاً : القمرُمصابٌ بالبثورِ في صفحةِ وجهِهِ؛ فقد لا تُرى للعيان كثرة الجبال والكثبان الرمليَّة والوِهاد، إلا في بعض الليالي... نعم، فالقمر مصاب بالبثور التي يخفيها عادة ببودرةٍ ناعمةٍ ورقيقةٍ(السحب والغيوم) التي تغلِّفُ صفحةَ وجهِهِ في الليالي غيرِ الصافيةِ…
رابعاً : الشمسُ قريبةٌ رغم بُعدها؛ فرغم بُعدها عنَّا ملايين السنين الضوئيَّة .. إلا إنَّ باستطاعتنا الشعورَ والإحساسَ بها؛إنَّها تمدُّ أجسامَنا بعناصرِ البناءِ الضروريَّةِ ... وتزوِّدُنا بالصحَّةِ ... رغم قسوتِهاأحياناً .
خامساً : القمرُ متقلِّبُ المِزاجِ، فأحياناَ يَظهرُ لنا كاملاً .. وأحياناً نشعرُ بنقصِهِ ... وأحياناً لا نَرى له أثراً ؛يَجتهدُ في إظهارَِ جمالِهِ… وما إنْ يجتهد ... حتى يفقدَ حماسَهُ و رونَقَهُ وينسحبُ،وكأنَّ شيئاً لم يكن ؛فشخصيتُهُ الضعيفةُ أفْقَدَتْهُ جاذبيَّتَهُ!
سادساً : الشمسُ .. مركَزُ ونواةُ مجموعَتِنَا،التي تُسمَّى باسمِها ؛ فيُقال المجموعةُ الشمسيَّةُ ؛ فلا يَمتلك أحدٌ حَجْبَها ... فهي مهما قست علينا ،إلا إنَّها أمُّنا الحَنون ، تمدُّنا بالدفء والحنان ،وتبثُّ الطاقةَ في النباتِ والحيوانِ والإنسانِ ، فمهما ابتعدنا عنها،نظلُّ ندورُ حولَها ،بجانب إخوَتِنَا ( الكواكبِ الأخرى ) ... تمارسُ دورَها… فتجعلنا في تحابٍّ مع بعضِنا .. لا يعتدي أحدٌ منا ( من الكواكب ) على مسارِ أخيه !
سابعاً : إذا كانت الأرضُ نقطةً بجوارِ الشمسِ ، فماذا عسى أنْ يكونَ القمرُ؟!إذا كانت الأرض مقارنةً بالشمس لا تعدُلُ ذرَّةً ! فماذا عسى أنْ يكونَ القمرُ بالنسبة لها؟!لهذه الأسباب، وغيرِها ، فأجدُ أنَّ من الظلمِ وصفَ مَنْ نحبُّ ونعشقُ بالقمرِ!!أمَـا يستحقُّ مَنْ نحِبُّ لقبَ الشمسِ في حيــاتنا ؟