إنشاء خزان أسوان (1902م) :
عند انتهاء بناء خزان أسوان عام 1902 ارتفع منسوب المياه خلف الخزان إلى 106 أمتار ليغرق مساكن وأراضي زراعية وسواقي ومزروعات ونخيل وأشجار عشر قرى نوبية هي : دابود ودهميت وأمبركاب وكلابشة وابوهور ومرواو وقرشة وكشتمنة شرق وغرب وجرف حسين والدكة ، (مرجع 4 ص 23) . واجهت تلك القرى العشر آثار بناء الخزان وحدها دون أن تنال اهتماما رسميا أو إعلاميا في ذلك الوقت .
التعلية الأولى للخزان (1912م) :
لم تلتئم بعد جروح أبناء النوبة من أثر بناء الخزان، فإذا بكارثة التعلية الأولى للخزان تتسبب بطوفان جديد عام 1912، ليرتفع منسوب مياه الخزان إلى 114 مترا ويتسبب في إغراق ثماني قرى نوبية أخرى هي قورتة والعلاقي والسيالة والمحرقة والمضيق والسبوع ووادي العرب وشاترومة. ومرة أخرى استخفّت الدولة بآلام النوبيين وكارثتيهم، ولم ينصف أحد هؤلاء النوبيين المنكوبين وكأنهم خارج نطاق المواطنة، كما لم تتناول وسائل الإعلام كارثتهم وما حل بهم، حتى السياسيون والأحزاب المختلفة في ذلك الوقت لم يلتفتوا إلى تلك الكوارث التي تحل بالنوبيين جنوب مصر .
التعلية الثانية عام 1932م:
النوبيون الذين فقدوا كل ما يملكون من حطام الدنيا وأصبحوا منكوبين قولا وفعلا، فاجأتهم التعلية الثانية للخزان عام 1932 فأغرقت مياهها هي الأخرى عشر قرى نوبية هي المالكي وكروسكو والريقة وأبوحنضل والديوان والدر وتوماس وعافية وقتة وأبريم وجزيرة أبريم، بينما أضيرت بقية القرى النوبية الإحدى عشرة الأخرى وهي عنيبة ومصمص والجنينة والشباك وتوشكى شرق وغرب. حينئذ ارتفع أنين النوبيين بالشكاوي. وبعد أكثر من ثمانية عشر عاما من بناء الخزان...
بنود مجحفة ونخطي إجراءات قانون نزع الملكية
أصدرت الدولة القانون رقم 6 لسنة 1933 الخاص بنزع ملكية أهالي النوبة وتقدير التعويضات اللازمة لمواجهة كوارث أعوام 1902 و 1912 و 1932، إلا أن القانون حفل ببنود مجحفة في حق النوبيين، منها ما تم رصده في مذكرة النادي العربي العقيلي عن تعويضات منكوبي خزان أسوان والتي أرسلت إلى مجلس الشيوخ بتاريخ 16 صفر 1363هـ 12 فبراير 1944 ميلادية
وقبل أن نبين لحضراتكم الأساس الذي قام عليه تقدير التعويضات، نرى أنه لابد من ذكر القانون رقم 6 لسنة 1933 الذي لجأت إلى إصداره حكومة ذلك العهد متخطية الإجراءات العادية التي ينظمها قانون نزع الملكية العام، وذلك لحاجة في نفس أعضائها. وقد أبان عنها معالي شفيق باشا وزير أشغال ذلك العهد عند عرض ذلك القانون على مجلس الشيوخ بجلسة 29 فبراير سنة 1933 إذ قال معاليه "أنفقت مصر الملايين على إنشاء خزان أسوان وتعليته وكل حضراتكم متشوق إلى زيادة المياه وآمالنا الآن الطريقة لتخزينها فلو أننا انتظرنا خمس سنوات حتى تتم إجراءات نزع الملكية بالطريق العادي لحرمنا إذن مصر من المياه حرمانا مادياً بدون مبرر.
فاتباعنا القانون العادي في إجراءات نزع الملكية هو حرمان مصر من المياه طول هذا الزمن.. وإذا مكننا القانون المذكور من وضع اليد في الحال على الأطيان فانه لا يمكن لا للقضاء ولا للخبراء ولا أصحاب الشأن من معرفة معالم الأرض بعد غمرها في نوفمبر المقبل".
فرد عليه شيخ أغضبه تبرير الوزير لهذا القانون قائلاً "أين كنت مدة الثلاث السنوات الماضية حينما تقررت التعلية؟ لم لم يعمل هذا من قبل وهل تنطبق السماء على الأرض لو أجلنا إملاء الخزان للمنسوب الجديد سنة أخرى وقد مضى علينا ثلاثون سنة على هذه الحال؟"
التعسف في تطبيق القانون
والقانون المذكور قضي بنزع ملكية المناطق المنكوبة "النوبية" بأجمعها ولم يترك للمنكوبين فرصة للمعارضة في تقدير التعويضات إى فرضتها الحكومة تعسفاً إلا مدة 15 يوماً وهي مدة قصيرة لم يتمكن إلا الكثيرون خلالها من الاطلاع على مقدار تعويضاتهم هذا فضلاً عن جهل أغلبية الأهالي بطرق المعارضة في التقدير حتى أن الكثيرين منهم لم يعلموا بذلك الطريق القانوني للمعارضة إلا بعد فوات ميعادها (مرجع 5 ص 27).
توازى سلسلة المظالم على النوبيين مع تعويضات هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع. ولنبين فضيحة تلك التعويضات نقرأ ما كتبه الأستاذ محمد مراد سنة 1947 ميلادية ( ألقى المغفور له الأستاذ عبد الصادق عبد الحميد بياناً في مجلس النواب أثناء نظر ميزانية وزارة الأشغال سنة 1936 دلل فيه على أن التعويض مع كثير من التساهل والتجاوز كان يجب أن يقدر بمبلغ 3600000 ثلاثة ملايين وستمائة ألف جنيه، على حين أن الحكومة قدرتها بمليون وسبعمائة ألف ثم خصمت منها حوالي نصف مليون بأساليب جهنمية ولا يزال من هذا المبلغ بقية في ذمة الحكومة إلى اليوم وذلك بفعل موظفيها الذين يريدون التنزه كل عام في بلاد النوبة وجوها البديع في الشتاء مع التمتع ببدلات السفريات). (مرجع 5 ص 25).
ولنبين كيف يستهين الموظفون بالنوبيين ولا يعتبرونهم مواطنين مثلهم، نستمر في نقل ما كتبه الأستاذ محمد مراد، فحين قرر وزير الأشغال عام 1944 توزيع 406 فدان على بعض المنكوبين النوبيين في ناحية القرنة البعيرات اعترض الموظفون وكتبوا مذكرة قائلين فيها (أن هذه الأطيان أجود من أطيان بلاد النوبة وأن التعويض يجب أن يكون مماثلاً)
(مرجع 5 ص 23).
هذا هو أسلوب موظفي الحكومة كباراً وصغاراً تجاه النوبيين الذين ضحي بهم في سبيل عموم مصر، لم يقدر مسئول منهم أن هؤلاء البشر أخرجوا من ديارهم وأوطانهم وأنهم في حالة بائسة.
هذه المظالم تم تجاهلها من قبل أصوات كانت تنادي آنذاك بالاستقلال والحرية والمساواة لمصر، مما زاد من المرارة والشعور بالهوان لدى النوبيين. مع التجاهل التام من قبل
المطالب النوبية في البرلمان
وإزاء تلك المحنة، انتقل النوبيون إلى سفوح الجبال ليبنوا مساكن لهم على طول نهر النيل، فاستنزفت تلك المساكن الجديدة أكثر مما أخذوه من تعويضات سخيفة مقابل أراضيهم ومساكنهم الأصلية التي غرقت. وفي عهد حكومة مصطفي النحاس عام 1936
كان أول مطلب للنوبيين حمله نائب النوبة في البرلمان: عبد الصادق عبد المجيد بعد الانتخابات، هي أعاده النظر في التعويضات التي صرفت للأهالي ومنح أبناء النوبة أراضى صالحة للزراعة شمال أسوان وجنوب قنا بدلا من الأراضي التي أغرقها مياه الخزان؛ والجدير بالذكر أن مصطفي النحاس قال عند إلقائه خطاب العرش في تلك الدورة البرلمانية (وستعمل حكومتي على إقامة مشروعات للري في بلاد النوبة تعويضا عما فقدوه وتقديم كافة الخدمات لأهلها).
ونتيجة لشعور النوبيين بتشعب مشكلتهم وأهمية منطقتهم وحيويتها لأمن وادي النيل الإستراتيجي وخاصة لمصر وضرورة أستقرارها؛ تقدم النائبان النوبيان في البرلمان عام 1947:سليمان عجيب وشاهين حمزة باقتراح مشروع ربط سكة حديد مصر والسودان بتكلفة 4 مليون جنية، ولم تأخذ الحكومة هذا الاقتراح بمحمل الجّد؛ وهكذا تم فصل السودان عن مصر كما هو معروف فيما بعد.
تغيرت البيئة النوبية نتيجة لزيادات منسوب النهر المتتالية فتحولت إلى بيئة تنتشر فيها الأمراض والأوبئة مثل التيفود والدفتريا والحمى والملاريا والبلهارسيا، وهلك الكثير من النوبيين نتيجة سوء التغذية وانعدام الخدمة الصحية، (مرجع 1 ص 27).
ظلم البيروقراطية عام 1960:
ومرة رابعة، بدأت بشائر طوفان جديد، ففي بداية عام 1953 بدأت الدولة تجري دراسات حول مشروع السد العالي من كل جوانبه الهندسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي إطار تلك الدراسات أجرت وزارة الشئون الاجتماعية مسوحات سكانية واجتماعية للنوبيين عام 1960 يتضح منها الآتي:
• إجمالي تعداد النوبيين 98609 نسمة (ثمانية وتسعون ألفاً وستمائة وتسعة)
• المقيمون منهم 48028 نسمة (ثمانية وأربعون ألفاً وثمانية وعشرين)
• والمغتربون سعيا وراء توفير لقمة العيش 50581 نسمة (خمسون ألفاً وخمسمائة واحد وثمانين)
• أما عدد الأسر المقيمة بالنوبة فبلغت 16861 نسمة (ستة عشر ألفاً وثمانمائة واحد وستون)
• الأسر المغتربة 8467 نسمة (ثمانية آلاف وأربعمائة سبعة وستون) (مرجع 4 ص 21).
دراسة مستقبل المنطقة
ثم تشكلت بعد ذلك لجان لمواجهة الآثار الجانبية لمشروع السد العالي، ودراسة مستقبل المنطقة بقراها التسع والثلاثين وسكانها المائة ألف وما يملكون من أراضي زراعية ومساكن ومواشي وحياة استمدت كينونتها مقبل التاريخ بآلاف السنين. بلاد مترعة بالتراث النوبي الحافل بالعديد من الحضارات التي عاشتها المنطقة منذ العصر الحجري وحتى الآن كما بينا سابقا .
وباستقراء الإحصاءات السابقة يتضح أن نسبة الأسر النوبية التي تعيش بعيدا عن موطنها نتيجة لإفقار المنطقة من أثر بناء الخزان وتعليتيه بلغت 5ر33% هاجرت بالكامل وأن 5ر28% من الأسر هاجر بعض أفرادها. كما تبرز إحصائية وزارة الشئون الاجتماعية أن نسبة السكان النوبيين من ذوي المهن بلغت 23% من إجمالي تعداد النوبة، في حين نجد أن نسبة 7ر26% من ذوي المهن في مصر عموما في ذلك الوقت،
توزيع نسب النوبيين
وتتوزع نسبة النوبيين من ذكور وإناث على المهن على الوجه الآتي :
9,8 خدمات 5 صناع 4,6 نقل - محاجر 71 زراعة 3,3 إدارية وكتابية 3,1 تجارة 3,2 مهن علمية ذكور %
2,1 خدمات 1,4 صناع - نقل - محاجر 96 زراعة - إدارية وكتابية - تجارة - مهن علمية إناث %
7 خدمات 3,6 صناع 2,9 نقل - محاجر 80,3 زراعة 2,1 إدارية وكتابية 2 تجارة 2 مهن علمية تعداد مصر
ويتضح من الجدول السابق أن نسبة المشتغلين بالزراعة من النوبيين أعلى من النسب على مستوى الجمهورية. والغريب أن نسبة المهاجرين النوبيين من قراهم المشتغلين بالزراعة لم تزد عن 1% من إجمالي النوبيين العاملين بالزراعة. (مرجع 4 ص55). هذه الملاحظة تدحض الكثير من المزاعم التي روجها المغرضون في السابق والحاضر من أن النوبيين لم يشتغلوا بالزراعة. فهذه الإحصاءات بينت أن النوبيين فلاحون أصلاً، وأن ضياع مهنة الفلاحة منهم سببها غرق أراضيهم وفشل المسئولين في إدارة عملية التهجير وعدم تفكيرهم في إعداد النوبيين لبيئتهم الجديدة.
وليداري الموظفون فشلهم، اخترعوا الأكذوبة التي روجوها بأن النوبيين غير مزارعين وفاشلين في فلاحة أراضيهم التي تسلموها في التهجير. والفاشلون هم، والكاذبون هم.
صدمة التهجير 63/1964:
واصلت الدولة تنفيذ مشروع السد العالي، وبدأت الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة، أما النوبيون كبشر ومواطنين وهم الذين تعايشوا مع هذه الآثار فجاء حظهم العاثر في ذيل اهتمامات الدولة والمجتمع الدولي، فتم ترحيلهم على عجل إلى هضبة كوم أمبو وإسنا، إلى منطقة لا نهر فيها ولا إرث ولا تراث. بقي معهم ما حمل وجدانهم من عشق لوطن فقدوه تحت مياه السد العالي. تم ترحيل النوبيين دون ما أية دراسات تأخذ في الاعتبار آدميتهم وتاريخهم ونضالهم وتضحياتهم في سبيل الوطن.
هكذا تم ترحيلهم عشوائياً وفقا لجدول زمني مختزل سريع، رغبة في إخلاء بلاد النوبة قبل 15 مايو 1964 موعد تحويل مجرى نهر النيل، فترك معظم النوبيون الكثير من متاعهم في الوطن المهجور وحشروا في صحراء كوم أمبو وإسنا في مساكن خالفت المساكن التي ألفوها وخلافا للمسكن النموذجي الذي وعدوا به وشاهدون قبل عملية التهجير. بالإضافة لعدم تواجد مياه صالحة للشرب ولا كهرباء، مع استحالة تربية مواشي وطيور وهي تمثل أهم عناصر الحياة والدخل بالنسبة للمواطن النوبي المزارع؛ وبالتالي تعذر نقل هذه الحيوانات معهم إلى المهجر الجديد؛ في حين ان إخوانهم النوبيون السودانيون وأبناء عمومتهم فعلا لا قولا أثناء هجرتهم إلى خشم القربة(مهجرهم الجديد) خصصت الحكومة السودانية لكل قطار مصاحب لأفواج المهاجرين طبيبا بيطريا لرعاية حيواناتهم الزراعية.
المشاكل والابتلاءات المصاحبة للتهجير
تكررت مأساة أشد هولا مما حدث من ربع قرن مع بلاءات خزان أسوان، فلا المساكن الجديدة استكملت ولا الأراضي الزراعية استكمل استصلاحها ولم تسلم للنوبيين إلا بعد مرور من أربع لخمسة سنوات، وأصيب الأطفال بنزلات معوية وفقد الكثير منهم حياتهم، والشيوخ أصيبوا بالاكتئاب نتيجة اختلاف المناخ وصعوبة ملاءمة المنطقة لأسلوب ونمط معيشة النوبي فمات منهم الكثير
عذر أقبح من الذنب
كانت حجة الحكومة بموظفيها والتي حاولت لجنة تقصي الحقائق المنبثقة من مجلس الأمة في مضبطة 5 يناير 1970 ملحق 6، أن ضخامة المشروع السبب في كل العيوب مع عامل الزمن وضيق الوقت. نفس الحجة التي هي أقبح من ذنب، والتي ادعاها وزير الأشغال مجلس الشيوخ بجلسة 29 فبراير سنة 1933، أي قبلهم من سبعة وثلاثين عاماً كاملة. ومازالت التبريرات غير المقبولة مستمرة ومازالت الاستهانة بالنوبيين قائمة.
يقول إبراهيم عبد الرسول (مرجع رقم 1 ص 39) (الشئون الاجتماعية تصرف مبلغ ثلاثة جنيهات كمعاش شهري للأسرة النوبية المهجرة، هذا المبلغ لا يكفي لتغذية ما لدى الأسرة من ماعز وأغنام، حيث وصل سعر ربطة البرسيم في ذلك الوقت عشرة قروش).
الشروط المبرمة مع الدولة
ارتضى النوبيون بالهجرة إلى كوم أمبو وإسنا وفقا لشروط أبرموها مع الدولة تتلخص في أرض زراعية بالنوبة مقابل أرض زراعية بالمهجر ومسكن في النوبة مقابل مسكن بالمهجر، طبقاً لما شاهدوه وعاينوه قبل الهجرة في أسوان كمسكن نموذجي. وبناء على تلك القاعدة القانونية قرأ النوبيون كافة القرارات والقوانين التي صاحبت عملية التهجير، وعلى الأخص قرار رئيس الجمهورية بمرسوم القانون رقم 67 لسنة 1962 في شأن نزع ملكية الأراضي التي تغمرها مياه السد العالي، وكذلك القرار الوزاري الذي أصدرته الشئون الاجتماعية برقم 106 بتاريخ 24/9/1962 بشأن قواعد تعويض وتمليك إسكان أهالي النوبة. لكن التنفيذ جاء مخيبا لآمال النوبيين الذين ظنوا أن الدولة ستعاملهم معاملة صغار المزارعين أو شباب الخريجين أو حتى المعدمين الذين تم تعويضهم في مديرية التحرير والنوبارية، وهؤلاء لم يكونوا يملكون إرثاً ولا وطناً ضحوا به مثلما ضحى النوبيين.
لم يتسلم النوبيون مسكناً وخمسة أفدنه وحيوان زراعي لبدء حياة جديدة وكريمة، أسوة بالمعدمين الذين لم يضحوا ولم يعانوا مثلما عانى النوببيون.
جسامة الغبن الذي وقع على النوبيين
ولكي ندرك حجم الإجحاف والظلم الذي وقع على النوبيين المصريين، دعونا نلقي نظرة سريعة مقارنة لما حدث للنوبيين السودانيين الذين هُجروا من قرى وادي حلفا إلى منطقة التهجير الجديدة (خشم القربة) حتى نتبين جسامة الغبن الذي وقع على النوبيين المصريين. ترى ماذا فعلت الحكومة السودانية لتهجير النوبيين هناك؟ في خشم القربة المسكن مساحته 350 متر مربع إضافة إلى حديقة صغيرة أمام المسكن وحظيرة للبهائم. لكن في كوم أمبو وإسنا (مصر) أكبر مسكن مساحته 150 متر مربع بلا حديقة ولا توجد حظيرة للبهائم . والنوبي السوداني يحصل على مسكن بصرف النظر عن كونه مقيما أو غير مقيم. بالنسبة للنوبي المصري المسكن للمقيم فقط أما المغترب –أطلقت الحكومة هذا المسمى لغير المتواجد في قريته النوبية أثناء الحصر، بسبب بحثه عن الزرق بعد أن أغرقت الحكومة أرضه- فلم تبن لهم مساكن حتى يومنا هذا، أي بعد مرور أكثر من أربعين عاما على الهجرة، لم تنفذ الحكومة ما وعدت به النوبي المصري المغترب كما أطلقت عليه. وبالنسبة للأراضي الزراعية فقد كانت الحكومة السودانية رحيمة بالنوبيين حيث لم تكتف بقاعدة الفدان مقابل الفدان، بل أضافت لكل صاحب مسكن سواء كان مالكا لأرض زراعية أو معدما مساحة 15 فداناً (حواشة) وضعف المساحة للنوبي الذي يملك أرضا زراعية، أما في مصر فقد وزعت الحكومة على المقيمين ما سمي بفدان الإعاشة والذي مساحته الحقيقية من 14 – 18 قيراط للأسرة الواحدة. فما أشد الظلم والهوان المستمرين على النوبيين المصريين.