أوصيكم بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته والابتعاد عن نواهيه داعياً إلى التسامح عند المقدرة وتجنب الغضب والإفراط فيه.
إن الاختلاف بين الناس سنة من سنن الله عز وجل فكما اختلفوا في ألسنتهم وألوانهم اختلفوا في أفكارهم وآرائهم وقناعاتهم واقترن باختلافهم زلاتهم وأخطاؤهم فكل ابن آدم خطاء فهم خطاؤون في شؤونهم كلها وفي أحوالهم جميعها.
أن سبيل العيش بينهم والإصلاح هو التسامح والعفو والرفق والفضل والإحسان، فكلما سلمت النفوس من اضغانها وتحررت من تعصبها كانت اقدر على النجاح في بناء العلاقات الطيبة والروح المتسامحة.
فأن دفع العدوان بالإحسان ومقابلة الاساءة بالحلم مبادئ كبرى تؤكد المشاعر الجميلة في النفوس المشرقة. وهي أخلاق عالية وصبر وتحمل وتجمل ينقلب معه العدو إلى صديق حميم ويحول بين الأمة وبين الاقتتال فيما بينها والتعصب والعنف في سلوكها وتعاملاتها.
ان الأمة تعيش أجواء من الاكتئاب ما بين ظلم العدو وجفاء الصديق وتلمس طرق الاصلاح واستعادة الحقوق والتئام الصفوف أن التسامح خصلة كريمة وصفة حميدة توهب لأصحاب القلوب الكبيرة مما أفاض الله عليهم من رحمته وطاقات على الصبر من المكاره وتحمل الأذى والقدرة على مقابلة السيئة بالحسنة.
أن التسامح قوة وليس ضعفاً. وقوة ناعمة وقوة غير عدوانية وقوة جالبة غير طاردة.. والتسامح نبل وكرم وليد في التعامل ورؤية وروية في الأحداث والمواقف.. والتسامح تقدير لعقول المخاطبين واحترام لآرائهم وحفظ لمكانتهم.. وتنبيه إلى ما يمتلئ به العالم من ثراء فكري مشيراً إلى أن التسامح علامة على وضع الأمور في نصابها والأهداف في مسارها، وهو مجاهدة للنفس المندفعة بالتعصب في أقوالها وأفعالها وآرائها.
و ليعلم كل محب للخير ومتطلع لعلو الهمة ومترق في مدارج الفضل والكمال ان التسامح أقوى من الانتقام وأشد من الخصام، ووقع التسامح اشد واثقل على نفس المخالف من الانتقام، وهو انبل من التعصب، فالتسامح تناسي السيئات. والانتقام تناسي الحسنات، والتسامح لا يسلب الحقوق والانتقام لا يمنح الحقوق والتسامح منبعه الخير وبابه الفضل وطريقه الإحسان، والانتقام مدخل السوء ومسلك الشيطان وباب النفس الأمارة بالسوء. والتسامح هو القبول العادل والقدرة على العيش مع القريب والبعيد والعدو والصديق والمخالف والموافق كما انه اعتراف الجميل بالمساواة والعدل والاحترام بين الناس واعتراف بالتعدد والتنوع وحق الاختلاف بالرأي.
أن هذه حقيقة التسامح وطبيعته وخصائصه ومن أجل هذا جاءت تعاليم ديننا لترسي قواعد التسامح ومبادئه في مسالك الإنسان ومعاملاته وعلاقاته كلها، وفي العقائد والأحكام والأخلاق والتوجيهات والتعليمات.
هذه المبادئ قدمت على حق الإنسان في المجازاة والعدل وأخذ الحق المشروع بل إن نصوص الشرع حين وازنت بين العلاقات رغبت في الايثار والعفو والفضل وحينما حفظت الحقوق حثت على الرحمة وحينما شرعت القصاص حضت على العفو.. وحينما امرت بالعدل قدمت عليه الإحسان.وأضاف: لماذا طلب الإسلام افشاء السلام والدعوة إلى التيسير والتبشير والنهي عن التعسير والتنفير وطلب انظار المعسر واخفاء الصدقة وكظم الغيظ وتجنب الغضب ونهى عن الحسد والتجسس والفخر والخيلاء والغمز واللمز والهمز والسخرية وأمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن والتماس العذر للمخطئ والنهي عن تتبع عورات الناس وتلمس العيوب وأمر بحمل الكلام على أحسن الوجوه وقال خير دين الله أيسره والنبي محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أجمعين مبعوث بالحنيفية السمحة.
ان التخلق بهذه الأخلاق والخصال بل التحلي ببعضها كاف لبناء أجواء التسامح ومد جسور التعامل والتآزر في مجتمعات المسلمين وبيئتهم. مؤكداً أن التسامح يبدأ من داخل النفس وينبت فيها ويكبر وكلما تحررت من اضغانها وبغضائها وعنفها وغضبها كانت أقدر على النجاح في بناء العلاقات الطيبة والروح المتسامحة والعلماء والكبراء وأهل الوجاهة وأصحاب الفكر هم أهل التسامح وقادته. ومن يعرف كثيراً يغفر كثيراً، والتسامح ينبت في مجتمع التسامح وبيئته لا في بيئة الاستبداد والاستكبار سواء في ذلك البيوت والمدارس والأسواق والمكاتب مشيراً إلى أب متسامح ومعلم متسامح ومدير متسامح وبائع متسامح ومنهج في التربية والتعليم متسامح ونشاطات في المجتمع تدعم كل متسامح. ومن أجل هذا يجب بناء منهج التربية في الأمة وسياسات إعلامها على التسامح. والتسامح طريق حياة وأسلوب عمل وغاية من غايات التربية.
يجب غرس قيم التسامح وثقافته في قلوب الناشئة منذ أعمارهم الأولى ليدركوا ان ميزان الفرق بين الناس تقوى الله والعمل الصالح محذراً انه ليس من التسامح نسف ذاكرة التاريخ ونسيان الحقوق المنكوبة والبطش من قبل أصحاب القنابل الذكية وسماسرة النفايات النووية المدفونة تحت أقدام الضعفاء الذين لا يستطيعون حيلة. والتسامح لا يستقيم عندما ينشغل المعسكر بتطوير أسلحة الدمار الشامل ويطلب من الآخرين تطوير مساحيق الغسيل بل قد يمنعهم من تصنيعها ويفرض عليهم استيرادها أو ينافسهم عليها منافسة غير شريفة.
وادعوكم إلى التسامح لأن المتسامحين هم الأقوياء والكبراء لأن الضعيف المهزوم كثيراً ما يكون لا خيار له ولا طاقة له على العفو، والعفو عند المقدرة هو الفضيلة وهو أنموذج التسامح الحق. منقول بتصرف