أعتقـوا المستقبـل
كلما خطب الرئيس مبارك هذه الأيام تحدث عن المستقبل .. وهي مفارقة غريبة جداً أن يبدأ الرئيس في مدته الخامسة وفي عام حكمه السادس والعشرين وقبيل عيد ميلاده التاسع والسبعين في الحديث عن المستقبل
لماذا يصر الرئيس بعد أن عاش معنا الماضي والحاضر على أن يعيش معنا المستقبل؟.. كفاية عليه وعلينا الماضي والحاضر.. مانعتق شوية المستقبل
ألا يمل الريس من شعبه قليلاً؟.. ألم يزهق منا شوية؟ ألا يفكر أبداً في أن يرتاح من وشوشنا بعدما أطلع في ملامحنا ستة وعشرين عاماً كل يوم الصبح؟.. ألم يصبه أي نوع من السأم من كثرة ما كرر كلامه عنا وفينا ومن فرط التعليمات والتوجيهات التي يقولها منذ ستة وعشرين عاماً؟
ألم يزهق من المشوار من قصر العروبة لمجلس الشعب.. ألم يفكر أن يعزل من القصر ويغير محل الإقامة؟.. معقولة مستحمل يشوف زكريا عزمي كل يوم من ربع قرن؟, وبقاله 18 سنة بيقابل فتحي سرور
إلى هذا الحد الرئيس لا يشعر بالرغبة في التغيير, مثلاً يسيب الحكم ويرتاح ويتفرغ للقراءة إن كان يقرأ, أو مشاهدة التلفزيون أو يأخذ أسرته وأحفاده ويأجزوا بتاع شهرين تلاتة في أي دولة أوروبية, أو يستمتع بما تبقى له من وقت ويقعد مع رفقاء سلاحه الذين خرجوا على المعاش في نادي هليوبوليس يتشمسوا ويلعبوا كروكيه ويتبادلوا الذكريات والهموم من تبدل الأيام والأنباء
ألم يشعر الرئيس بالملل أبداً من نفس المقالات التي يقرأها من ربع قرن عن عظمته وروعته وقدرته وحكمته وسياسته بنفس الكلام والألفاظ؟.. لماذا لا يضيق صدر الرئيس من قراءة نفس الخطب في ليلة القدر ومولد النبي وافتتاح الدورة البرلمانية وذكرى حرب أكتوبر وتحرير سيناء وثورة يوليو وعيد العمال ومؤتمر القمة؟.. فالرئيس لا يتوقف عن ترديد كلامه عن عجلة السلام حتى صرنا نحلم بأن تعود هذه العجلة للعجلاتي الذي أجرها لنا.. ألم يزهق الرئيس أبداً من كلامه عن التنمية تلك التي يبشرنا بها منذ ستة وعشرين عاماً بينما لم يتم تنمية شيء في مصر خلال هذه الفترة سوى ثروة المسئولين وأبناءهم؟
ألم يتوقف مرة الرئيس وشاور نفسه وقال أنا زهقت من الحديث عن البنية الأساسية التي يكفيه فخراً أن 92 ألف ماسورة مياه ومجاري انفجرت العام الماضي فقط؟
أبداً لا يزال يتحدث ويكرر كلامه عنها حتى ظننا أن البنية الأساسية هي التي زهقت, وإذا كان الإصلاح الاقتصادي نفسه شعر بالملل من نفسه ومن الذين يتحدثون عنه حتى أوشك الاقتصاد من عناده أن يحلف بالطلاق أنه عمره ما هينصلح, بينما يحدثنا الرئيس بلا ملل ولا كلل عن الإصلاح الاقتصادي منذ ربع قرن, فلا رأينا إصلاحاً ولا اقتصاداً.. نفس ذات أصل الكلام
سيدي الرئيس إذا لم تكن تشعر بالملل فمصر كلها تشعر به
البوابة 
