[size=25]عمرو بن الجموح ..الساخر الكريم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
رقم الموضوع :- ( 22 )
التاريــــــــخ :- الجمعة 22 يناير 2010
أسم الموضوع :- عمرو بن الجموح .. الساخر الكريم
أسم الكاتب :- صلاح إدريـــس
التصنيـــــف :- دينى
المصــــــــدر : * كتاب الصحيحين ــ لمحمد بن على الباقر.
* كتاب المعجم الكبير ــ للطبرانى .
* الشبكة العنكبوتيــة .
عمرو بن الجموح
ــــــــــــــــــــــــــــــ
انه صهر عبدالله بن حرام،(وقد تناولنا فى الجمعة الماضية سيرته العطرة) وقد كان عمرو بن الجموح .. زوجا لأخته هند بنعمرو..
وكان ابن الجموح واحدا من زعماء المدينة، وسيدا من سادات بنيسلمة.. سبقه الى الاسلام ابنه معاذ بن عمرو الذي كان أحد الأنصار السبعين،أصحاب البيعة الثانية..
وكان معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل يدعوانللاسلام بين أهل المدينة في حماسة الشباب المؤمن الجريء..
وكان من عادة الناسهناك أن يتخذ الأشراف من بيوتهم أصناما رمزية غير تلك الأصنام الكبيرة المنصوبة فيمحافلها، والتي تؤمّها جموع الناس.. واتفق معاذ بن عمرو بن الجموح مع صديقهمعاذ بن جبل على أن يجعلا من صنم عمرو بن جموح سخرية ولعبا.. فكانا يدلجانعليه ليلا، ثم يحملانه ويطرحانه في حفرة يطرح الناس فيه فضلاتهم.. ويصيحعمرو فلا يجد منافا في مكانه، ويبحث عنه حتى يجده طريح تلك الحفرة.. فيثورويقول:
ويلكم من عدا على آلهتنا الليلة..!؟ثم يغسله ويطهرهويطيّبه..
فاذا جاء ليل جديد، صنع المعاذان معاذ بن عمرو ومعاذ بن جبلبالصنم مثل ما يفعلان به كل ليلة.
حتى اذا سئم عمرو جاء بسيفه ووضعه في عنقمناف وقال له: ان كان فيك خير فدافع عن نفسك..!!
فلما اصبح فلم يجده مكانه.. بل وجده في الحفرة ذاتها طريحا، بيد أن هذه المرة لم يكن في حفرته وحيدا، بل كانمشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق.
واذا هو في غضبه، وأسفه ودهشته أقترب منهبعض أشراف المدينة الذين كانوا قد سبقوا الى الاسلام.. وراحوا، وهم يشيرون بأصابعهمالى الصنم المنكّس المقرون بكلب ميت، يخاطبون في عمرو بن الجموح عقله وقلبه ورشده،محدثينه عن الاله الحق، العلي الأعلى، الذي ليس كمثله شيء.
وعن محمد الصادقالأمين، الذي جاء الحياة ليعطي لا ليأخذ.. ليهدي، لا ليضل.. وعن الاسلام،الذي جاء يحرر البشر من الأغلال، جميع الأغلال وجاء يحيى فيهم روح الله وينشر فيقلوبهم نوره...وفي لحظات وجد عمرو نفسه ومصيره..
وفي لحظات ذهب فطهرثوبه، وبدنه.. ثم تطيّب وتأنق، وتألق، وذهب عالي الجبهة مشرق النفس، ليبايع خاتمالمرسلين، وليأخذ مكانه مع المؤمنين.
قديسأل سائل نفسه، كيف كان رجال من أمثال عمرو بن الجموح.. وهم زعماء قومهم وأشراف.. كيف كانوا يؤمنون بأصنام هازلة كل هذا الايمان..؟وكيف لم تعصمهم عقولهم عنمثل هذا الهراء.. وكيف نعدّهم اليوم، حتى مع اسلامهم وتضحياتهم، من عظماءالرجال..؟ومثل هذا السؤال يبدو ايراده سهلا في أيامنا هذه حيث لا نجد طفلايسيغ عقله أن ينصب في بيته خشبة ثم يعبدها..
لكن في أيام خلت، كانت عواطفالبشر تتسع لمثل هذا الصنيع دون أن يكون لذكائهم ونبوغهم حيلة تجاه تلكالتقاليد..!!
ذلك أن الوجدان الديني في تلك العصور البعيدة، لم يكن يسيرفي خط مواز للتفوق العقلي...
أسلم عمروبن الجموح قلبه، وحياته لله رب العالمين، وعلى الرغم من أنه كان مفطورا على الجودوالسخاء، فان الاسلام زاد جوده مضاء، فوضع كل ماله في خدمة دينهواخوانه..
سأل الرسول عليه الصلاة والسلام جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو بنالجموح فقال:
من سيّدكم يا بني سلمة..؟قالوا: الجدّ بن قيس، على بخلفيه..
فقال عليه الصلاة والسلام:
وأي داء أدوى من البخل!!
بلسيّدكم الجعد الأبيض، عمرو بن الجموح..
فكانت هذه الشهادة من رسول الله صلىالله عليه وسلم تكريما لابن الجموح، أي تكريم..!
وفي هذا قال شاعرالأنصار:
فسوّد عمرو بن الجموح لجودهوحق لعمرو بالنّدى أنيسوّدااذا جاءه السؤال أذهب ماله
وقال: خذوه، انه عائدغداوبمثل ما كان عمرو بن الجموح يجود بماله في سبيل الله، أراد أن يجودبروحه وبحياته..
ولكن كيف السبيل؟؟ان في ساقه عرجا يجعله غير صالحللاشتراك في قتال.
وانه له أربعة أولاد، كلهم مسلمون، وكلهم رجال كالأسود،كانوا يخرجون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزو، ويثابرون على فريضةالجهاد..
ولقد حاول عمرو أن يخرج في غزوة بدر فتوسّل أبناؤه الى النبي صلىالله عليه وسلم كي يقنعه بعدم الخروج،أو أن يأمره به اذا هو لميقتنع..
وفعلا، أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الاسلام يعفيه من الجهادكفريضة، وذلك لعجزه الماثل في عرجه الشديد..
بيد أنه راح يلحّ ويرجو.. فأمرهالرسول بالبقاء في المدينة.
وجاءت غزوةأحد فذهب عمرو الى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل اليه أن يأذن له وقالله:
" يا رسول الله انّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك الىالجهاد..
ووالله اني لأرجو أن، أخطر، بعرجتي هذه في الجنة"..
وأماماصراره العظيم أذن له النبي عليه السلام بالخروج، فأخذ سلاحه، وانطلق يخطر في حبوروغبطة، ودعا ربه بصوت ضارع:
" اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني الىأهلي".
والتقى الجمعان يوم أحد..
وانطلق عمرو بن الجموح وأبناؤهالأربعة يضربون بسيوفهم جيوش الشرك والظلام..
كان عمرو بن الجموح يخطر وسطالمعمعة الصاحبة، ومع كل خطرة يقطف سيفه رأسا من رؤوس الوثنية..
كان يضربالضربة بيمينه، ثم يلتفت حواليه في الأفق الأعلى، كأنه يتعجل قدوم الملاك الذيسيقبض روحه، ثم يصحبها الى الجنة..
أجل.. فلقد سأل ربه الشهادة، وهو واثق أنالله سبحانه وتعالى قد استجاب له..
وهو مغرم بأن يخطر بساقه العرجاء فيالجنة ليعلم أهلها أن محمدا رسول اله صلى الله عليه وسلم، يعرف كيف يختار الأصحاب،وكيف يربّي الرجال..!!
وجاء ما كانينتظر.
ضربةسيف أومضت، معلنة ساعة الزفاف..
زفاف شهيد مجيد الى جناتالخلد، وفردوس الرحمن..!!
واذ كانالمسلمون يدفنون شهداءهم قال الرسول عليه الصلاة والسلام أمره الذي سمعناه منقبل:
" انظروا، فاجعلوا عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبرواحد، فانهما كانا في الدنيا متحابينمتصافيين"..!!
ودفن الحبيبان الشهيدانالصديقان في قبر واحد، تحت ثرى الأرض التي تلقت جثمانيهما الطاهرين، بعد أن شهدتبطولتهما الخارقة...
(( أسمحوا لى بأن أختم بنفس الخاتمة للجمعة الماضية .. فكما كانت حياتهما .. وأشتشهادهما مشتركا .. فكان لابد من أن تكون خاتمة سيرتهما العطرة مشتركة )
وبعد مضى ... ست وأربعين سنة على دفنهما، نزل سيل شديد غطّىأرض القبور، بسبب عين من الماء أجراها هناك معاوية، فسارع المسلمون الى نقل رفاتالشهداء، فاذا هم كما وصفهم الذين اشتركوا في نقل رفاتهم:
" ليّنةأجسادهم.. تتثنى أطرافهم"..!
وكان جابر بن عبدالله لا يزالحيا، فذهب مع أهله لينقل رفات أبيه عبدالله بن عمرو بن حرام، ورفات زوج عمته عمروبن الجموح..
فوجدهما في قبرهما، كأنهما نائمان.. لم تأكل الأرض منهما شيئا،ولم تفارق شفاههما بسمة الرضا والغبطة التي كانت يوم دعيا للقاءالله..
أتعجبون..؟كلا، لا تعجبوا..
فان الأرواح الكبيرة،التقية، النقية، التي سيطرت على مصيرها.. تترك في الأجساد التي كانت موئلا لها،قدرا من المناعة يدرأ عنها عوامل التحلل، وسطوة التراب.. فاللهم كبر من أرواحنا .. ونقيها .. وأبعث فيها التقوى والهدى وحبك .. وحب ل ماتحبه .. والبعد عما تكرهه .. لننعم بالمناعة التى كرمت بها عبد الله بن حرام وأصحابه .. اللهم آمين .
بقلــــــــــــــم
صــــلاح إدريـــــــس
[/size]