ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
رقم الموضوع :- ( 69 )
التاريــــــــخ :- الجمعة 18 يونيه 2010
أسم الموضوع :- سالم .. من العبودية إلى الدعوة .
أسم الكاتــــب :- صــلاح إدريـــس
التصنيـــــــــف :- دينـــــــــــــــــــــــــــى
المصــــــــــــدر :- · * كتاب الأصابة فى تمييز الصحابة
( الجزء الثانى ) .. لحافظ بن حجرالعسقلانى
· الشبكة العنكوتيـــة
**************************
أهلى وناسى وأصدقائى الأعزاء ..
ها قد حان موعدنا كل جمعة مباركة .. لننهل ونتعطر .. ونقتاد بسير عظماء الأسلام .. من صحابة رسول الله عليه وسلم ..
*****
ان أكرمكم ))
(( عند الله أتقاكم "..
والحديثين الشريفين :
ليس لعربي على عجمي فضل الا ((
بالتقوى))
و(( ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل الا بالتقوى ))
هذه الكلمات المباركة .. هى لب سيرتنا .. ومنها نقتاد .. ونتعلم من مبادىء ديننا الحنيف الأساسية .. الذى وضع الأسس والمعايير والقوانين للكون كله .. فلو ظل المسلمين لدينا كما كان لدى هؤلاء العظماء .. لأنصلح حالنا .. وحال العالم كله من حولنا
****
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوما ، فقال :
" خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود.... وسالم مولى أبي حذيفة.... وأبيّ بن كعب .... ومعاذ بن جبل .."
ولقد التقينا من قبل بابن مسعود ، وأبيّ ، ومعاذ.. فمن هذا الصحابي الرابع الذي جعله الرسول حجّة في تعليم القرآن ومرجعا .. ؟؟ إنه صاحب سيرتنا العطرة الصحابى الجليل
سالم .. مولى أبي حذيفة..
*****
كان عبدا رقيقا ،رفع الاسلام من شأنه حتى جعل منه ابنا لواحد من كبار المسلمين ... كان قبل اسلامه شريفا من أشراف قريش ، وزعيما من زعمائها.. ولما أبطل الاسلام عادة التبني ، صار أخا ورفيقا ، ومولى للذي كان يتبناه وهو الصحابي الجليل : أبو حذيفة بن عتبة .. وبفضل من الله ونعمة على سالم بلغ بين المسلمين شأنا رفيعا وعاليا ، أهّلته له فضائل روحه ، وسلوكه وتقواه .. وعرف الصحابي الجليل بهذه التسمية : سالم مولى أبي حذيفة... ذلك أنه كان رقيقا وأعتق .. وآمن بالله ايمانا مبكرا..
وأخذ مكانه بين السابقين الأولين ..
*****
وكان حذيفة بن عتبة ، قد باكر هو الآخر وسارع الى الاسلام تاركا أباه عتبة بن ربيعة يجتر مغايظه ، وهموهه ، التي عكّرت صفو حياته ، بسبب إسلام ابنه الذي كان وجيها في قومه ، وكان أبوه يعدّه للزعامةفي قريش ...
وتبنى أبو حذيفة سالما بعد عتقه ، وصار يدعى بسالم بن أبي حذيفة ..
وراح الاثنان يعبدان ربهما في اخبات ، وخشوع .. ويصبران أعظم الصبر على أذى قريش وكيدها ..
وذات يوم نزلت آية القرآن التي تبطل عادةالتبني.. . وعاد كل متبني ليحمل اسم أبيه الحقيقي الذي ولده وأنجبه .. فـ زيد بن حارثة مثلا ، الذي كان النبي عليه الصلاة والسلامقد تبناه ، وعرف بين المسلمين بزيد بن محمد ، عاد يحمل اسم أبيه حارثة فصار زيد بن حارثة .. ولكنّ سالما لم يكن يعرف له أب ، فوالى أبا حذيفة ، وصار يدعى سالم مولى أبي حذيفة..
*****
ولعل الاسلام حين أبطل عادة التبني ، انما أراد أن يقول للمسلمين لا تلتمسوا رحما ، ولا قربى ، ولا صلة توكدون بها اخاءكم ، أكبر ولا أقوى من الاسلام نفسه.. والعقيدة التي يجعلكم بها اخوانا ..!!
ولقد فهم المسلمون الأوائل هذا جيدا.. فلم يكن شيء أحب الى أحدهم بعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، من اخوانهم في الله وفي الاسلام..
ولقد رأينا كيف استقبل الأنصار اخوانهم المهاجرين ، فشاطروهم أموالهم ، ومساكنهم ، وكل ما يملكون ..!!
وهذا هو الذي رأينا يحدث بين أبي حذيفة الشريف في قريش ، مع سالم الذي كان عبدا رقيقا ، لا يعرف أبوه..
لقد ظلا الى آخر لحظة من حياتهما أكثر من أخوين شقيقين حتى عند الموت ماتا معا .. الروح مع الروح .. والجسد الى جوار الجسد..!!
تلك عظمة الاسلام الفريدة.. بل تلك واحدة من عظائمه ومزاياه ..!!
**
لقد آمن سالم ايمان الصادقين .. وسلك طريقه الى الله سلوك الأبرار المتقين .. فلم يعد لحسبه ، ولا لموضعه من المجتمع أي اعتبار .. لقد ارتفع بتقواه واخلاصه الى أعلى مراتب المجتمع الجديد الذي جاء الاسلام يقيمه .. وينهضه على أساس جديد عادل عظيم ... أساس تلخصه الآية الجليلة:
" ان أكرمكم عند الله أتقاكم "..!!
والحديث الشريف:
ليس لعربي على عجمي فضل الا بالتقوى"..
و" ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل الا بالتقوى"..
**
في هذا المجتمع الجديد الراشد ، وجد أبو حذيفة شرفا لنفسه أن يوالي من كان بالأمس عبدا.. بل ووجد شرفا لأسرته ، أن يزوج سالما ابنه أخيه فاطمة بنت الوليد بنت عتبة ..!!
وفي هذا المجتمع الجديد ، والرشيد ، الذي هدّم الطبقية الظالمة ، وأبطل التمايز الكاذب ،وجد سالم بسبب صدقه ، وايمانه ، وبلائه ، وجد نفسه في الصف الأول دائما ..!!
أجل.. لقد كان امام للمهاجرين من مكة الى المدينة طوال صلاتهم في مسجد قباء..
وكان حجة في كتاب الله ، حتى أمر النبي المسلمين أن يتعلموا منه ..!!
وكان معه من الخير والتفوق ما جعل الرسول عليه السلام يقول له :
" الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك "..!!
وحتى كان اخوانه المؤمنين يسمونه :
" سالم من الصالحين "..!!
ان قصة سالم كقصة بلال ، وكقصة عشرات العبيد ، والفقراء الذين نفض عنهم عوادي الرق والضعف ، وجعلهم في مجتمعالهدى والرشاد أئمة ، وزعماء وقادة..
كان سالم ملتقى لكل فضائل الاسلام الرشيد..
كانت الفضائل تزدحم فيه وحوله .. وكان ايمانه العميق الصادق ينسقها أجمل تنسيق.
وكان من أبرز مزاياه الجهر بما يراه حقا..
انه لا يعرف الصمت تجاه كلمة يرى من واجبه أن يقولها.. ولا يخون الحياة بالسكوت عن خطأ يؤدها..
**
بعد أن فتحت مكة للمسلمين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا الى ما حول مكة من قرى وقبائل ، وأخبرهم أنه عليه السلام ، انما يبعث بهم دعاة لا مقاتلين.. وكان على رأس احدى هذه السرايا خالد بن الوليد... . وحين بلغ خالد وجهته ، حدث ما جعله يستعمل السيوف ، ويرق الدماء..
هذه الواقعة التي عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم نبأها ، اعتذر الى ربه طويلا ، وهو يقول :" اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد "..!!
والتي ظل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يذكرها له ويأخذها عليه ،ويقول :
" ان في سيف خالد رهقا"..
وكان يصحب خالد في هذه السرية سالممولى أبي حذيفة مع غيره من الأصحاب..
ولم يكد سالم يرى صنيع خالد حتى واجههبمناقشة حامية ، وراح يعدّد له الأخطاء التي ارتكبت.. وخالد البطل القائد ، والبطل العظيم في الجاهلية ، والاسلام ، ينصت مرة ويدافع عن نفسه مرة ثانية .. ويشتد في القول مرة ثالثة .. وسالم مستمسك برأيه يعلنه في غير تهيّب أو مداراة.. لم يكن سالم آنئذ ينظر الى خالد كشريف من أشراف مكة .. بينما هو من كان بالأمس القريب رقيقا... لا.. فقد سوّى الاسلام بينهما !! ولم يكن ينظر اليه كقائد تقدّس أخطاؤه .. بل كشريك في المسؤولية والواجب .. ولم يكن يصدر في معارضته خالدا عن غرض أو سهوه ، بل هي النصيحة التي قدّس الاسلام حقها ،والتي طالما سمع نبيه عليه الصلاة والسلام يجعلها قوام الدين كله حين يقول :
" الدين النصيحة.. الدين النصيحة ..الدينالنصيحة".
**
ولقد سأل الرسول عليه السلام ،عندما بلغه صنيع خالد بن الوليد.. سأل عليه السلام قائلا :
" هل أنكر عليه أحد"..؟؟ ما أجله سؤالا ، وما أروعه ..؟؟!!
وسكن غضبه عليه السلام حين قالوا له :
" نعم.. راجعه سالم وعارضه".. وعاش سالم مع رسوله والمؤمنين.. لا يتخلف عن غزوة ولا يقعد عن عبادة..
وكان اخاؤه مع أبي حذيفة يزداد مع الأيام تفانيا وتماسكا..
**
وانتقل الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى..
وواجهت خلافة أبي بكر رضي الله عنه مؤامرات المرتدّين.. وجاء يوم اليمامة..
وكانت حربا رهبة ، لم يبتل الاسلام بمثلها..
وخرج المسلمون للقتال.. وخرج سالم وأخوه في الله أبو حذيفة.. وفي بدء المعركة لم يصمد المسلمون للهجوم.. وأحسّ كل مؤمن أن المعركة معركته ، والمسؤولية مسؤوليته..
وجمعهم خالد بن الوليد من جديد.. وأعاد تنسيق الجيش بعبقري مذهلة.. وتعانق الأخوان أبو حذيفة وسالم وتعاهدا على الشهادة في سبيل الدين الحق الذي وهبهما سعادة الدنياوالآخرة.. وقذفا نفسيهما في الخضمّ الرّهيب..!!
كان أبو حذيفة ينادي :
" يا أهل القرآن.. زينوا القرآن بأعمالكم".
وسيفه يضرب كالعاصفة في جيش مسيلمة الكذاب . .. وكان سالم يصيح:" بئس حامل القرآن أنا.. لو هوجم المسلمون من قبلي "..!!
حاشاك يا سالم.. بل نعم حامل القرآن أنت ..!!
وكان سيفه صوّال .. جوّال في أعناق المرتدين ، الذين هبوا ليعيدوا جاهلية قريش.. ويطفئوا نور الاسلام.. وهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها.. وكان يحمل بها راية المهاجرين بعد أن سقط حاملها زيد بنالخطاب... ولما رأى يمناه تبتر ، التقط الراية بيسراه وراح يلوّح بها الى أعلى وهو يصيح تاليا الآية الكريمة
( وكأيّ من نبي قاتل معه ربيّون كثير ، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين)...
ألا أعظم به من شعار.. ذلك الذي اختاره يوم الموت شعارا له ..!!
**
وأحاطت به غاشية من المرتدين فسقط البطل .. ولكن روحه ظلت تتردد في جسده الطاهر ، حتى انتهت المعركة بقتل مسيلمة الكذاب ...واندحار جيش مسيلمة وانتصار المسلمين..
وبينما المسلمون يتفقدون ضحاياهم وشهداءهم وجدوا سالما في النزع الأخير.. وسألهم:
ما فعل أبو حذيفة..؟؟
قالوا : استشهد.. قال : فأضجعوني الى جواره..
قالوا:انه الى جوارك يا سالم .. لقد استشهد في نفس المكان ..!! وابتسم ابتسامته الأخيرة..
ولم يعد يتكلم ..!! لقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوان ..!!
معا أسلما.. ومعا عاشا ..ومعا استشهدا ..
يالروعة الحظوظ، وجمال المقادير ..!!
وذهب الى الله ، المؤمن الكبير الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يموت :
" لو كان سالم حيّا ، لوليته الأمر من بعدي"..!!
ياله من صحابى جليل .. ويالهم من رجال عظام .. ينيرون لنا الطريق فى زمن ليله أسود بهيم .. فمن يهتدى بهم لاتضل خطاه أبدا .. رحمك الله وغفر لك ياسالم .. ولأخيك فى الله أبى حذيفة .. ولعمر .. وخالد .. وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين .. اللهم أبلغنا صحبتهم ..
بقلــــــم
صـــلاح إدريـــــــس
******************************